انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي في الفترة الماضية صورة توضح الدول التي تدرّس العلوم المتقدمة، أي: الجامعية بلغتها الأم – وهي الموضحة باللون الأزرق – والدول التي تدرس العلوم بلغات أخرى – وهي الموضحة باللون الأحمر؛ بالتمعن في الصورة يمكننا أن نلاحظ أن أغلب دول القارة السمراء وشبه جزيرة العرب وبعض دول جنوب آسيا فقط في العالم التي تستعمل لغات أخرى لتدريس علومها، يمكنك أيضًا أن تلاحظ أنه في الوطن العربي لدينا سوريا فقط من تدرس العلوم باللغة العربية، أما ما تبقى من وطننا، فتتفاوت اللغات المعتمدة بين الانجليزية والفرنسية؛ لعل أول سؤال يخطر في بالك هو: لماذا؟ فكر في الأمر بجدية! ما السبب الذي يدفعنا للتعلم بهتين اللغتين؟ ولماذا دول ضعيفة وصغيرة كليتوانيا مثلًا (قرابة 65000 كم²) فقط تعتمد لغتها الأم (الليتوانية) لتدريس العلوم الجامعية؟

لنأخذ عندنا الفرنسية مثلًا، والتي تعتمدها أغلب دول المغرب العربي في التدريس، لا هي لغة العلم، ولا الحضارة، ولا الفن، ولا التجارة، ولا عدد كبير من الناس يتحدثونها، عدد متحدثي اللغة العربية في العالم أكثر منها بالضعف تقريبًا! لماذا إذن نفرضها على أبنائنا؟ بأي حق تفرض على عربيّ تلقّي العلم بغير العربية؟

لو بحثنا في الأمر، لوجدنا أن سبب قوة اللغة الفرنسية هي استفحال االستعمار الفرنسي في القرن الماضي والذي سبقه، لماذا إذن مازلنا متصندقين في هذا الاستعمار؟ 

أما الانجليزية، أو اللغة الحمقاء كما أسميها (يعترف المتحدثون األصليون بهذه الحقيقة) فرغم ضعفها وهشاشتها استطاع أهلها جعلها لغة العلم والفن والحضارة، وهذا يقودنا إلى سؤال الفطرة البشرية الذي طرحناه قبل قليل: لماذا؟

لنحذف جميع الدول من الخريطة، ونُبقي الدول التي تعتبر اللغة االنجليزية اللغة الأم للبلاد، ونراجع البحوث التي تُكتب من قبل قاطنيها؛ في بريطانيا وأستراليا، حوالي 97% من البحوث المكتوبة كتِبت باللغة الانجليزية، أما في الولايات المتحدة الأمريكية، باعتبار أن 12% من السكان يعتبرون أن الإسبانية هي اللغة الأم لهم، فإنه لن يكون أكثر من تلك النسبة من البحوث مكتوبة بلغة غير الإنجليزية، بالعودة إلى الوطن العربي، سأترك لك تخيل عدد البحوث العربية المكتوبة بلغات غير العربية! هل وصلنا لطرف خيط؟

الحل هو "التشبث " و" االستغناء"

يسأل البعض: العرب الدارسين والمطلعين على الدراسات العربية قلة، والجميع يقرأ المراجع الأجنبية لقوتها، من سيقرأ بحثي إن كتبته بالعربية؟  

يا عزيزي، إن توفر التشبث والاستغناء في كل واحد منا سيجعل من كان يقلّب المواقع الأجنبية بحثًا عن العلم، جاء يدرس دراستك العربية، وستجد أن المترجمين لم يقصروا في ترجمة البحوث الأجنبية للعربية حتى نستغني عن

اللغات األخرى!

حسنًا، لكن هناك حقيقة لن يمكننا الهروب منها الآن، وإن توفر فينا التشبث والستغناء، فمازالت الانجليزية لغة العصر، عند تدريس الطالب باللغة العربية لن يستطيع التعامل مع الأجانب في الميادين العلمية!

بسيطة! قِّو مناهج اللغة الإنجليزية ضمن الخطط التعليمية للبلاد، لكن لا تدرس العلوم باللغة الانجليزية! أنا لا أقول بألّا تدرس اللغات الأخرى، بل أدرس وثقف نفسك، لكن لا تتخلى عن لغتك في المقابل! تشبث بها، واعتمد عليها في معامالتك اعتمادًا يجعلك تستغني عن اللغات الأخرى، لنأخذ دراستي على سبيل المثال، أنا أدرس الطب البشري بجامعة بنغازي، وإن قمت بتقليب المنهج صفحة صفحة، لن تجد كلمة عربية واحدة! وبالنظر إلى منهج اللغة الانجليزية لدينا، ستجد أنه تافه للغاية، يمكنني بثقة الجزم بأن منهج الصف الأول ثانوي للغة الانجليزية أصعب منه! لماذا لا يتم جعل منهج اللغة الانجليزية أكثر قوة، وتعريب باقي المواد المفروض دراستها؟ يتحجج البعض بأن بعض المصطلحات العلمية الحديثة يصعب تعريبها، وأن الخريجين من الأطباء والمهندسين لن يكونوا ناجحين، لماذا؟ لماذا تقرن اللغة بالنجاح؟ كيف تقوم سوريا بتدريس الطب باللغة العربية إذن؟ مع العلم أن أفضل الأطباء السوريين موجود في بريطانيا وألمانيا، ولم يؤثر ذلك فيهم.

موضوع النجاح ليس موضوع لغة، ويكفينا خير برهان أن اللغة العربية تكفي لتكون لغة العلم والحضارة، أن أعظم وأوسع وأشمل علٍم على الإطلاق موجود باللغة العربية: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾، ومن الناس من يحتج  فيقول: "ضع القرآن جانبًا فنحن نتحدث عن مواضيع علمية لا دخل للدين فيها"، لا يا عزيزي! هذه معايير غربية تتخذها منهاجًا تسير عليه، هذا جزء من الصندوق الذي رسمه لك الغرب، إحدى أكبر أسباب فشلنا حاليًّا هو فصل الدين عن العلم بينما يكمل أحدهما الآخر، وبالاقتداء بأسلافنا من قادة العلم، كان يوضع القرآن فوق رؤوس خريجي جامعة قرطبة ففي الأندلس، فوق القبعة التي أصبحت مع العباءة العربية السوداء زيًّا رسميًّا ورمزًا للتخرج في كل جامعات العالم!

وأيضًا لا ننسى... نحن أمة أعزها الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله به.

إذن تشبث، استغنِ.

أسئلة تبادر ذهني الآن:

هل فعلًا بعد خروج كل واحد منا من هذه المحاضر سيبدأ بنفسه، يتشبث، ويستغني؟ أم أننا سنسير بالمثل القائل: "إن لم تكن ذئبًا أكلتك الذئاب"؟

هل فعلًا نحن هم الجيل الذي سيعيد للغة العربية مجدها ويغيدها لغة العلم والحضارة؟ أم أنه ستسيطر علينا مقولة Nobody cares؟