‏السّلام عليكَ يا صاحبي،
تقولُ لي: حدثني، وواسِ قلبي!
فأقول لكَ: وأيُّ مواساةٍ لقلبكَ أعظم من أن تعرف أن الله سبحانه يعلمُ ما فيه!
فإن جهل الناس فضلكَ،
وإن قالوا فيكَ ما ليسَ فيك،
فما حاجتك إلى محامٍ يدافعُ عنكَ،
وأنتَ بالأساس لستَ مُتَّهماً!

إن قاضي السماوات والأرض لا ينتظرُ الشهود،
فإنما ينتظرُ الشهود من غاب،
وربك مطلعٌ على المشهد كله،
ولا يحفلُ ببلاغة المحامين،
فهذه يحتاجها القضاة الذين غابت عنهم التفاصيل!
يستمعون روايتها في فم إنسان لم يشهدها،
وإنما دبّجها بحسن البيان، وحِدَّة المرافعة!
أما ربُكَّ فكان يعلمُ وقوع القضية قبل أن تقع،
فلما وقعتْ، ما زاد علمه بها شيئاً!
إنَّ علمه بما لم يقع كعلمه بما وقع!
فأصلِحْ قلبكَ، فإنه موضع نظره سبحانه،
وإنه ناظِرٌ إليك، وجازيك عمَّا فيه،
لا عمَّا يقوله الناس، ولا عمَّا تقوله أنتَ!

يا صاحبي،
إنَّ الله لا يُخدع!
فهو لا يرانا من أعلى فحسب،
وإنما يرانا من الداخل!
من الداخل يا صاحبي، فتأملها جيداً!
عندما كان ابن سلولٍ يُصلي الفجر في المسجد خلفَ النبيِّ ﷺ
كان بعض الناس قد خُدعوا بتقواه،
أما ربُكَ فكان يُصدر حكمه: إنَّ المنافقين في الدركِ الأسفل من النار!

وعندما أُتهمت الصدِّيقة بنت الصديق عائشة في عرضها،
خُدع بعض الناس بالتهمة، ونالوا من عرضها،
أما ربُكَ فأنزل البراءة قرآناً يُتلى إلى يوم القيامة،
شتّانَ بين قلبٍ وقلب وإن اختلفت المواقف!

يا صاحبي،
جاء أعرابي من البادية،
واحدٌ مجهول مغمور في سواد الناس،
لا يعرفه من الصحابة أحد،
فبايع النبيُّ ﷺ على الجهاد والهجرة ،
ثم كانتْ غزوة خرجَ فيها هذا الأعرابي في غمار من خرج ذوداً عن لا إله إلا الله،
ومنَّ اللهُ على المسلمين بالنَّصرِ،
وقسمَ النبيُّ ﷺ الغنائم بين أصحابه،
وكان هذا الأعرابي غائباً، فتركَ النبيُّ ﷺ له نصيبه،
فلما حضرَ قيل له: تركَ لكَ النبيُّ ﷺ هذا!
فجاءه، فقال له: يا رسول الله ﷺ ما هذا؟
فقال له ﷺ: قسمته لكَ!
فقال: ولكن ما على هذا اتَّبعتُكَ،
ولكني اتبعتُكَ على أن أُرمى بسهمٍ ههنا!
وأشار إلى رقبته، فأموت فأدخل الجنّة!
فقال له النبيُّ ﷺ: إن تصدُقِ الله يصدُقكَ!
ثم كانت غزوة أُخرى، فأُتي به إلى النبيِّ ﷺ محمولاً،
والسَّهم مغروز في رقبته حيث أشار سابقاً،
فقال النبيُّ ﷺ: أهوَ هوَ؟
فقالوا: نعم يا رسول الله ﷺ
فقالَ: صدقَ اللهَ فصدَقه اللهُ!
ثم كفَّنه في عباءته،
وصلى عليه،
ودعا له،
وكان مما سمعوا من دعائه يومها:
اللهم هذا عبدُكَ خرجَ مهاجراً في سبيلك،
فقُتلَ شهيداً، وأنا على ذلك شهيد!

يا صاحبي،
لا أعرفُ لكَ مواساةً خيراً من هذه!
رجل مجهول لا يعرفُ الصحابة اسمه،
ولم تكتب كُتب السيرة شيئاً عنه،
فبقيَ مجهولاً بعد موته تماماً كما كان مجهولاً يوم جاء مُبايعاً!
فما ضرَّه أن لا نعرفه أنا وأنتَ!
يكفي أنَّ اللهَ يعرفه، وإن جهلناه!

فلا عليكَ يا صاحبي، لا عليكَ!
أخفِ الصدقة ما استطعتَ، فإن قيل بخيل
فقد وقعتْ في يدِ اللهِ قبل أن يقولوا!
وقُمْ من الليل ما وسعتكَ همتُكَ وحملتكَ قدماكَ،
فإن قيلَ فاتِرٌ في العبادة،
فقد علمَ اللهُ حرارة دمعكَ قبل أن يقولوا!
وصُمْ تطوعاً فإن قيل لا يعرفُ إلا رمضان،
فقد علمَ اللهُ ظمأ الحنجرة قبل أن يقولوا!

يا صاحبي،
إنّ المرءَ لا يُؤتى إلا من قِبلِ قلبه،
فإنْ لم تُؤتَ من هناكَ،
فلن يضُرَّك شيء ولو وقعتْ السماء على الأرض!

والسّلام لقلبكَ

أدهم شرقاوي
‏السّلام عليكَ يا صاحبي، تقولُ لي: حدثني، وواسِ قلبي! فأقول لكَ: وأيُّ مواساةٍ لقلبكَ أعظم من أن تعرف أن الله سبحانه يعلمُ ما فيه! فإن جهل الناس فضلكَ، وإن قالوا فيكَ ما ليسَ فيك، فما حاجتك إلى محامٍ يدافعُ عنكَ، وأنتَ بالأساس لستَ مُتَّهماً! إن قاضي السماوات والأرض لا ينتظرُ الشهود، فإنما ينتظرُ الشهود من غاب، وربك مطلعٌ على المشهد كله، ولا يحفلُ ببلاغة المحامين، فهذه يحتاجها القضاة الذين غابت عنهم التفاصيل! يستمعون روايتها في فم إنسان لم يشهدها، وإنما دبّجها بحسن البيان، وحِدَّة المرافعة! أما ربُكَّ فكان يعلمُ وقوع القضية قبل أن تقع، فلما وقعتْ، ما زاد علمه بها شيئاً! إنَّ علمه بما لم يقع كعلمه بما وقع! فأصلِحْ قلبكَ، فإنه موضع نظره سبحانه، وإنه ناظِرٌ إليك، وجازيك عمَّا فيه، لا عمَّا يقوله الناس، ولا عمَّا تقوله أنتَ! يا صاحبي، إنَّ الله لا يُخدع! فهو لا يرانا من أعلى فحسب، وإنما يرانا من الداخل! من الداخل يا صاحبي، فتأملها جيداً! عندما كان ابن سلولٍ يُصلي الفجر في المسجد خلفَ النبيِّ ﷺ كان بعض الناس قد خُدعوا بتقواه، أما ربُكَ فكان يُصدر حكمه: إنَّ المنافقين في الدركِ الأسفل من النار! وعندما أُتهمت الصدِّيقة بنت الصديق عائشة في عرضها، خُدع بعض الناس بالتهمة، ونالوا من عرضها، أما ربُكَ فأنزل البراءة قرآناً يُتلى إلى يوم القيامة، شتّانَ بين قلبٍ وقلب وإن اختلفت المواقف! يا صاحبي، جاء أعرابي من البادية، واحدٌ مجهول مغمور في سواد الناس، لا يعرفه من الصحابة أحد، فبايع النبيُّ ﷺ على الجهاد والهجرة ، ثم كانتْ غزوة خرجَ فيها هذا الأعرابي في غمار من خرج ذوداً عن لا إله إلا الله، ومنَّ اللهُ على المسلمين بالنَّصرِ، وقسمَ النبيُّ ﷺ الغنائم بين أصحابه، وكان هذا الأعرابي غائباً، فتركَ النبيُّ ﷺ له نصيبه، فلما حضرَ قيل له: تركَ لكَ النبيُّ ﷺ هذا! فجاءه، فقال له: يا رسول الله ﷺ ما هذا؟ فقال له ﷺ: قسمته لكَ! فقال: ولكن ما على هذا اتَّبعتُكَ، ولكني اتبعتُكَ على أن أُرمى بسهمٍ ههنا! وأشار إلى رقبته، فأموت فأدخل الجنّة! فقال له النبيُّ ﷺ: إن تصدُقِ الله يصدُقكَ! ثم كانت غزوة أُخرى، فأُتي به إلى النبيِّ ﷺ محمولاً، والسَّهم مغروز في رقبته حيث أشار سابقاً، فقال النبيُّ ﷺ: أهوَ هوَ؟ فقالوا: نعم يا رسول الله ﷺ فقالَ: صدقَ اللهَ فصدَقه اللهُ! ثم كفَّنه في عباءته، وصلى عليه، ودعا له، وكان مما سمعوا من دعائه يومها: اللهم هذا عبدُكَ خرجَ مهاجراً في سبيلك، فقُتلَ شهيداً، وأنا على ذلك شهيد! يا صاحبي، لا أعرفُ لكَ مواساةً خيراً من هذه! رجل مجهول لا يعرفُ الصحابة اسمه، ولم تكتب كُتب السيرة شيئاً عنه، فبقيَ مجهولاً بعد موته تماماً كما كان مجهولاً يوم جاء مُبايعاً! فما ضرَّه أن لا نعرفه أنا وأنتَ! يكفي أنَّ اللهَ يعرفه، وإن جهلناه! فلا عليكَ يا صاحبي، لا عليكَ! أخفِ الصدقة ما استطعتَ، فإن قيل بخيل فقد وقعتْ في يدِ اللهِ قبل أن يقولوا! وقُمْ من الليل ما وسعتكَ همتُكَ وحملتكَ قدماكَ، فإن قيلَ فاتِرٌ في العبادة، فقد علمَ اللهُ حرارة دمعكَ قبل أن يقولوا! وصُمْ تطوعاً فإن قيل لا يعرفُ إلا رمضان، فقد علمَ اللهُ ظمأ الحنجرة قبل أن يقولوا! يا صاحبي، إنّ المرءَ لا يُؤتى إلا من قِبلِ قلبه، فإنْ لم تُؤتَ من هناكَ، فلن يضُرَّك شيء ولو وقعتْ السماء على الأرض! والسّلام لقلبكَ أدهم شرقاوي
0 Comments 0 Shares 443 Views 0 Reviews