التدقيقُ اللُّغَوِيُّ - يا أعِزّائي - عملٌ ليسَ بهيّن، ومهمّة عظيمة، وأمانةٌ قَيِّمَة؛ فالمُدَقّق اللُّغَوِيُّ ليسَ شخصًا عاديًّا، بل هُوَ بطَلٌ يقعُ على عاتِقِهِ حِفظُ اللّغةِ مِن كُلّ ما قَد يشوبُها، خاصّة في خِضَمِّ ما انتشرَ في لُغتِنا اليومَ منَ الدواخل عليها مِن المُفردَاتِ والأفكارِ والتراكيب.

 

فنعتُ نفسِكَ بالمُدَقّقِ وأنت لستَ بالخبرة والعلم الكافيَيْنِ ظُلمٌ لنفسك، بل ونسبُ الخِبرَةِ لنفسك لتدقيقكَ "كتابينِ" كلّ واحدٍ منهما له من الوُرَيقاتِ أربعٌ وعشرون هو ظلمٌ لنفسك والناسِ أيضًا، بل وإن تطاولتَ في اغترارِكَ وعَلّمتَ الناس التدقيقَ الإملائيَّ والنحويَّ فقط، وأوهمتهم بأنك علّمتهمُ التدقيقَ اللغوِيّ لظلمٌ لك، وللنّاس، وتحتمل معهم ظلمَ من علّمتهم لمن علّموهم، وظلمَ من علموهم لمن علموهم، وهاك إلى أن يستيقظوا على الحقيقة.

التدقيقُ اللُّغَوِيُّ يتكوّن من عدّة علوم، ويدرُسُ المدقّقُ عِدّة سنواتٍ ليصلَ إلى الدرجةِ العلميّة العالية، ويُسَمّى مُدَقِّقًا، فالتدقيقُ ينقسم إلى:

- تدقيق إملائيّ.

- تدقيق نحوي.

- تدقيق بلاغيّ.

- تدقيق مضمونيّ.

- تدقيق تنسيقي.

 

أما الأول فهو معلوم ومنتشر أمره، وكذا الثاني، أما الثالث، فلا حدّ لمتعلّمه، فهو يعتمد على بلاغة المُدقّق وإلمامه بالعربيّة، ويتطلّب منه دراسة علمِ البلاغة كاملًا، من ذلك إعادة صياغة الجمل الركيكة والمفردات الدخيلة، على سبيل المثال، كتبَ أحدهم يومًا: "اشتريتُ بعض الاكسسوارات"، فوجب عليّ تغيير "الاكسسوارات" إلى "حُلِيّ"، وكتب آخر: "للصدفة التي أتت بك" فوجب علي تغيير صدفة إلى "مصادفة"، غيره الكثير، ومن العلوم الواجبة دراستها للتدقيق البلاغيّ أيضًا هو علم الصرف، فعليك التفريق بين أوزان الأفعال والأسماء والأوزان الصحيحة والأوزان الخاطئة، وأوزان جمع القلة، وأوزان جمع الكثرة، وأوزان التصغير وغير ذلك الكثير.

أما الرابع فهو التدقيق في صحة المعلومات المضمنة في النص، لكي لا تساهم في نشر الأكاذيب والمعلومات المضللة، كأن تتأكد من صحة التأريخات المكتوبة مثلا، أو تتأكد من أن النص لا يخالف معاييرنا الإسلامية، وكثير من المدققين يهملون هذا النوع - مع علمهم به - لكثرة الجهد الذي يتطلبه القيام به، خصيصًى إذا كان النصّ المُدَقّق كتابًا أو بحثًا أو مقالًا علميًّا.

أما الخامس فهو التدقيق من ناحية تنسيق النص، فلكلّ نص تنسيق حسب وعائه، ومن ذلك التدقيق في علامات الترقيم والمواضع الصحيحة لنهايات الفقرات.

 

هذا البعض القليل عن ما أعلم عن محاور التدقيقِ اللُّغَوِيِّ حاولتُ به دثر ما اشتُبِهَ به لدى بعض دارسي الإملاء والنحو بارك الله فيهم ووفقهم.